طريق الهاوية

طريق الهاوية
* * * * *
حدثتني رفيقة لي أن فتاة تسكن بجوارهم في ريعان شبابها ، حسناء غبراء ذات شعر أسود طويل جدا يصل إلى أسفل ظهرها ، وبالمختصر المفيد ، هي الفتنة في حد ذاتها ، حتى إسمها يدل على جمالها
ـ حسناء - ؛ لم تكن حسناء تملك إلا قدرا ضئيلا من الفطنة والدهاء ، غير متمرسة في شؤون الحياة ، فهي منذ فتحت عينيها للدنيا تعتمد على أمها في جميع أمور الحياة ؛ وانتقلت إلى الثانوية



التي هي في بلادنا المبجل لا يُدرس فيها العلم بل يُدرس فيها الفساد وأنواع المغازلة . مدحوها بقولهم جميلة والمرأة تُخدع بكل سهولة ، غمروها بالكلمات الحلوة المعسولة حتى وقعت في شباكهم ، أرسلوا إليها فتيات فاسدات ليكسبوها كفرد في صفهم فكان لهم ما أرادوا ، وصارت في مهب الريح حتى ملابسها تغيرت ، حيث حينما تخرج من المنزل تلبس لباسا وحينما تصل إلى الثانوية تبدله بآخر فتان ؛ رآها أبوها يوما وهي على تلك الحال مع شاب تغازله ويغازلها لكنه ما توقع بأنها ابنته وقال ربما هي شبيهتها فليست ابنتي من تفعل هذا ، ولكن هيهات ثم هيهات ؛ حينما وصل إلى البيت أخبر الأم فرابها الأمر لأنها لمحت من ابنتها الكثير من التغيرات في شكلها وتصرفاتها .
كانت هيفاء صديقة قديمة لحسناء ، وبما أنها فاسدة الأخلاق فقد بدأت مشوارها ببث السموم في روح وقلب حسناء حتى صارت مثلها ، وعرّفتها بصديقها زكرياء ، وذلك لتقيم علاقة مع صديقه ، ولكن المفاجأة أن زكرياء هذا أُغرم بحسناء وجمالها الذي يسلب الألباب ، وكتم إعجابه وغرامه عن خليلته هيفاء ، وبعد مرور الأيام كاشف حسناء بمكنونات صدره ورغبته في صحبتها ، ترددت قليلا ثم قبلت بعد أن أخبرها كذبا بأنه قد انفصل عن هيفاء ؛ وكما يُقال نظرة فابتسامة فسلام فكلام



فموعد فلقاء ، فإنهما رتبا موعدا للقاء وذلك بأن تغيب هي عن الثانوية صباحا وتذهب معه في صباح الغد ، رتبت نفسها وأخذت معها هدية لحبيبها المزيف الجديد وانطلقت إلى مكان اللقاء ؛ كانت أم حسناء قد نسيت إخبار ابنتها صباحا بأن تستأذن للغياب مساءا لكي تسافر معها ، فعزمت على الذهاب هي بنفسها إلى الثانوية ، وحينما وصلت أعلمها المراقب بأن ابنتها غائبة ، استغربت من ذلك وراودتها الظنون ، وعادت إلى البيت وهي تنتظر على أحر من الجمر سماع الخبر والخطب من ابنتها ؛ وفي تلك الأثناء وبينما كانت حسناء في موعد مع زكرياء ، مرّت هيفاء بالصدفة ، وبين إلتفاتة وأخرى لمحت حسناء في موقف مريب وقد أخذت منها حبيبها ، لم تذهب إليها بل تماسكت وأخفت في صدرها أمرا عظيما، مضت ثم عادت بعد قليل وفي يدها قارورة من المواد الكيميائية الحارقة ، أقبلت نحو حسناء وببرودة أعصاب سكبتها على وجهها الجميل انتقاما لفعلتها .. وهكذا تشوه وجهها وصار أقبح وجه رآه إنسان، أما هيفاء فقد خسرت زكرياء بعد أن اكتشف أنها تقيم علاقة أخرى مع غيره ، وكما تدين تدان .



* * * * * *



وبالتالي أختي في الله .. أنظري ماذا تعلمين عن الحب الزائف ، إنه يجر الفتاة إلى الكذب ، إذ من المستحيل أن يكون دون كذب ، أختاه علاقتك في السر لا يعلم بنهايتها إلاّ الله ، أنظري إاى الثقة التي تهدرينها ، نعم أبواك وثقا بك وتركا لك الحرية في الخروج من البيت دون قيد أو شرط ، وللأسف ثقتهم بك لم تكن في محلّها ، ثم الطامة الكبرى الوقوع في الهاوية ، التي لارجعة منها لإصلاح ما فسد إلا أن يتغمدنا الله برحمته ، وأنت تفهمين قصدي طبعا ، لا تصدقيه إن أهداك وعودا كاذبة وعجز عن طرق الباب وعرض غرضه الشريف ـ إن كان كذلك - آسفة عليك حينما



تصدقينه ثم بعد ذلك تبدأ القصة في نهاية لا نهاية لها حينما تكتشفين بعد فوات الأوان أنه ما كان إلا لصا من لصوص الأعراض وأراد النيل من عذريتك ثم يتركك فريسة الذل والعار طوال حياتك .. أليس كذلك؟ أختاه مثل المتعلم غير المتأدب كمثل شجرة عارية لا تورق ولا تثمر ، قد انتصبت للناس في ملتقى الطرق تعترض الرائح وتصد سبيل الغادي ، فلا الناس بظلها يستظلون ، ولا هم من شرها ناجون . إن المحبة التي تأتي بين يقظة الشباب وغفلته تستكفي باللقاء وتقنع بالوصل وتنموا بالقبل والعناق ، وأما المحبة التي تولد في أحضان اللانهاية وتهبط مع أسرار الليل فلا تقنع بغير الأبدية ولا تستكفي بغير الخلود . واعلمي أن الحب كنز ثمين يودعه الله النفوس الكبيرة الحساسة ، فهل نرمي بكنزنا إلى حضائر الخنازير لتبعثره بأنوفها وتعبث به بأرجلها .



* * * * * *