السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوّلاً : لماذا الإفراط ؟
باختصار شديد نقول : إنّه الجهل .
فالإفراط بالطعام ، وإن كان مبعثه الخوف من نفاد الطعام ، أو الرغبة الشديدة في الحصول على أكبر كمّية منه ، أو الاستمتاع بإفرازات اللعاب للمذاقات والطعوم المختلفة ، لكنّه يسيء بالنتيجة إلى صحّة الشاب أو الفتاة ، وما ذاك إلاّ للجهل أنّ الزيادة كالنقصان ، فكما أنّ الجوع مضرّة ، فكذلك التخمة مضرّة ، وصدق مَنْ قال : «ربّ أكلة منعت أكلات» .
ولقد ثبت علمياً أنّ الإفراط في مرحلة الشباب يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة ، أي أ نّه أشبه بالضغط الكثيف على آلة أو جهاز يؤدي إلى استهلاكه قبل الأوان .
ثانياً : لماذا التفريط ؟
الجواب هنا نفس الجواب هناك .
فالتقصير والإهمال واللاّ مبالاة والتقاعس والإجحاف ، جهل ، وإلاّ فمن عرف دلّته معرفته على العمل .
فحينما تعرف أنّ الإعراض عن ذكر الله ، والتقاعس في أداء
العبادات ، وعدم الشعور بالإنشداد الروحي أثناء العبادة ، وتهمل هذه الحالة فإنّك بذلك تزيد في نسبة الجفاف الروحيّ الذي تعاني منه ، ويكون مثلك مثل المريض الذي يعاني من نزلة برد خفيفة حتى إذا أهملها وطال الأمد بإهمالها فقد تتحوّل إلى حالة من حالات الربو أو النزلة الصدرية الحادّة ، أو التهاب مزمن في الرئتين .
فـ (الجهل) هو الذي أدّى إلى هذه النتيجة الوخيمة ، كما أدّى إلى نتيجة لا تقلّ وخامة في مثال الإفراط بالطعام .
بقي أن نشير إلى أهمّ مساوئ الغلوّ والتطرّف والخروج عن الحدود المعقولة لنعرف الآثار السيِّئة التي يخلّفها عدم الإعتدال :
ـ التطرّف يخلق حالة من النفور لدى الآخرين ، فالمتطرّف إنسان ينفضّ الناس من حوله لأ نّهم يرونه جائراً في تصرّفاته ، مجحفاً في تحقيق ما يريد ، وهم حتى وإن كانوا لا يمارسون العدل في حياتهم لكنهم يحبّون الذي يعدل معهم .
ـ تقديم صورة سيِّئة عن الإسلام . فالاسلام ، كما هو واضح من خلال عقائده وتشريعاته وتعاليمه ، دين العدالة والإعتدال ، وأيّ تطرّف في أيّة واحدة من تشريعاته وعقائده سيشوّه صورة الاسلام في الواقع الحياتي للمسلمين ، مما قد يقيس بعض الناس إسلام المسلمين عليه ، وشتّان بين الاسلام الناصع النقي ، وبين بعض تصرفات المسلمين التي تعكس صوراً مشوّهة منفّرة .
ـ المتطرّف إنسان يقسو على نفسه وعلى غيره ، فالبخيل متطرف في ادخار أمواله والخوف عليها وحرمان نفسه منها بعدم الإنفاق فيما يحلّ ويجمل من المتع الحلال .
كما أ نّه يقسو على غيره من الأهل والأصدقاء في قدرته على مساعدتهم لكنّه لا يفعل ذلك خشية نقصان ما لديه من أموال محفوظة .
والجبان متطرف في خوفه الشديد ، وارتعاده من أيّة حالة مواجهة ، أو تحدٍّ أو دفاع عن النفس والقيم ، فهو بائس منطو على نفسه متألم لضعفه ، وهو في الوقت نفسه يتسبّب بالألم لغيره ممّن يلوذون به من أصدقاء أو أهل .
ـ المتطرف ضعيف ولكنّه يوهم نفسه بالقوّة ، ولو لم يكن ضعيفاً لما مال إلى الانحراف عن خط الإعتدال والتوازن ، فقد يحسب بعض المتطرفين أنّ الإعتدال شيمة الضعفاء ، فلا بدّ من الغلوّ في الحزم والقسوة وتأنيب وتعنيف الآخرين .
ـ المتطرف ازدواجي ، فهو يمارس التطرّف لكنّه يرفضه من قبل المتطرفين معه . فالأب المتطرف مع زوجته وأبنائه في تزمته واستبداده ، تراه يرفض تطرف مديره في الدائرة ، وكأ نّه يحلّ لنفسه التعسف والطغيان ، ويحرّمه على غيره أو يستهجنه ، ولأ نّه ضعيف الشخصية ـ كما قلنا ـ فإنّه يقلدُ مديره في بيته .
منقول